الدعاء له منزلة عظيمة في الإسلام، فبالدعاء يستجلب النصر، ويستقى الغيث، ويدفع الضر، وتعم البركات؛ والدعاء أعظم سلاح يتسلح به المؤمن، وأعظم قوة يتقوى بها الضعيف، ولما كان الدعاء بهذه المنزلة الرفيعة كان هو العبادة. فعلى المسلم أن يلجأ إلى الله بالدعاء في سره وجهره وعسره ويسره وفي شأنه أجمع.
مكانة الدعاء وفضله
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فلقد أخبر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين أنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، قال عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، وقال سبحانه وتعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، وقال عز وجل: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [الشورى:26]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة).
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستعمل الدعاء في كل أحواله، ويذكر الله عز وجل على كل أحيانه وفي كل المواقف خصوصاً في مواقف الشدائد، حيث كان يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى ويتضرع إليه، ويستغيث به فيغيث الله عز وجل أمته بأسرها، كما قال سبحانه: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9]، وكانت استغاثة النبي صلى الله عليه وسلم مستمرة ومتتابعة بالليل وبالنهار، فقد كان طول الليل قائماً تحت شجرة في بدر وفي النهار في أول المعركة ظل يناشد ربه، ورفع يديه حتى سقط رداؤه من على منكبيه حتى اعتنقه أبو بكر صاحبه الرفيق الشفيق الرقيق رضي الله تعالى عنه من خلفه وقال: يا رسول الله! بعض مناشدتك ربك؛ فإن ربك منجز لك ما وعدك، فمن شدة الاجتهاد أشفق عليه الصديق رضي الله تعالى عنه، ومن كثرة التضرع أيقن أبو بكر أن الله منجز له ما وعده فقال له: (بعض مناشدتك ربك)، أي: يكفيك أن تدعو جزءاً من هذه المناشدة أو خفف من هذه المناشدة بعض التخفيف، فيكفيك جزء منها.
فانظر إلى حال النبي صلى الله عليه وسلم كيف غيرت دعوته عليه الصلاة والسلام وجه الحياة على ظهر هذه الأرض، فلو لم ينتصر المسلمون في غزوة أحد، ولو هلكت تلك العصابة لما عبد الله في الأرض بعد ذلك اليوم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض بعد اليوم) ، فاستجاب الله سبحانه هذه الدعوة المباركة، وهذه المناشدة المستمرة، وهذا التضرع الأكيد الذي لم يفتر حتى حقق الله عز وجل وعده، وحقق نصره لعباده المؤمنين، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو في مقابلة أعدائه بدعاء هو من معجزاته الظاهرة.
فما أحوج المسلمين في مواجهتهم لأعدائهم، وقد تكالبوا عليهم واجتمعوا من أجل إطفاء نور الله سبحانه وتعالى أن يتدبروا هذا الدعاء، وأن يستعملوه، وأن يكثروا من اللهج به؛ عسى الله عز وجل أن يفرج كرباتهم.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن يذكر أصحابه بالصبر والثبات ويأمرهم أن يسألوا الله العافية ويخبرهم أن الجنة تحت ظلال السيوف يقول: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب)، وفي رواية (سريع الحساب اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم) ثم يتقدم المسلمون فينتصرون بفضل الله منزل الكتاب.
أسباب النصر
ونحن نحتاج إلى أن نتدبر هذا الدعاء؛ حتى نستعمله للقوة المطلوبة، وحتى تحضر القلوب؛ فإن القلوب إذا امتلأت بمعرفة الله عز وجل وأسمائه وصفاته واستحضرت عظمته وقدرته وقوته وعزته وأنه سبحانه القيوم بأمر السماوات والأرض ثقلت الكفة، وتغيرت الموازين، وتزلزلت الأرض، واهتزت من تحت أقدام المشركين، ووقع الرعب في قلوبهم، ونصر الله عز وجل عباده المؤمنين بأيسر الأسباب.
التوسل سبب من أسباب النصر
وهذه الأسباب هي: أولاً: التوسل إلى الله عز وجل بالإلهية، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم منزل الكتاب) وهذا التوسل إلى الله عز وجل يكاد يكون في أكثر أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا في أدعية الأنبياء جميعاً، وذلك أن دعوة الأنبياء هي دعوة التوحيد: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، فيستحضر أن الله إلهه الذي يعبده والذي يتوجه إليه بالإخلاص والصدق والتوكل والاستعانة وبكل أنواع العبادات.
التوسل إلى الله عز وجل بإنزاله الكتاب
ومن أجل قيام الصراع ناسب جداً أن يبدأ هذا الدعاء بالتوسل إلى الله عز وجل بأنه منزل الكتاب، ولذا قال: (اللهم منزل الكتاب)، فالله عز وجل أنزل الكتب من عنده، وخاتمتها القرآن العظيم، فهو خاتمة الكتب المنزلة من عنده التي تضمنت أحكامه وشرعه، وأنزل الله عز وجل الكتاب؛ ليقوم الناس بالقسط، قال عز وجل: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف:1-5].فالله عز وجل أنزل الكتاب لتكون الحياة على وجه الأرض غير الحياة التي يريدها أولياء الشيطان، أنزله الله عز وجل مستقيماً قيماً لا اعوجاج فيه؛ وذلك ليقوم الناس بالقسط وبالعدل الذي شرعه الله، وليتذكروا اليوم الآخر بدلاً من أن ينشغلوا بدنياهم، فإن فكر الناس واعتقادهم وما يفكرون فيه وما ينشغلون به قضية عظيمة الأهمية، فتأمل فيما يشغل أولياء الشيطان الناس به؛ إنهم يشغلونهم بالشهوات الحقيرة الدنيئة، ويشغلونهم بالطعام والشراب، والجاه والملك والوجاهة واللعب واللهو، ولا يكادون يذكرون القيامة، ولا يكادون ينذرون الناس البأس الشديد الذي من عند الله الذي ينتظرهم، مع أنهم يرون كل يوم لحظة الفراق التي هي من أشد اللحظات التي هي سكرات الموت، فكم من الناس يرحلون! فالضعف الذي يكون فيه الإنسان والألم الذي يعتصره والذي ينبئ عما يحل به بعد ذلك أمر جليل وخطير ينتظر الناس، فالكتاب أنزله الله لينذر بأساً شديداً من لدنه، ولينذر ما الناس مقدمون عليه بدلاً من أن تكون صبغة الحياة هي الجري ورائها بهذه الطريقة التي لا يعرف الإنسان فيها معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، ولا يعرف إلا المال والجنس والملك والرئاسة والصراع على ذلك بكل أنواعه، بل توظف العقائد والأديان والملل من أجل هذه الصراعات الدنيئة الحقيرة.وقوله: وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا [الكهف:4]، ففي هذه الآية أن الله أنزل الكتاب ليبطل العقائد الفاسدة التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي هي مسبة لله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (يقول الله عز وجل: شتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، قال: وأما شتمه إياي فقوله: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا)، فالله سبحانه وتعالى يغضب لذلك، وذكر أن هذه الكلمة عظيمة، فقال: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم:88-95].وقال عز وجل: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف:5]، وكذلك نزل الكتاب ليبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم أجراً حسناً، وهذا هو الذي ينبغي أن يطلب، وهذا هو الذي ينبغي أن يبحث عنه. أنزل الله عز وجل الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وذلك أن الله سبحانه ما أنزل الكتاب ليكون مجرد شيء يتزين به في صدور المجالس أو على الأرائك والمكاتب، وإنما أنزله ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.فهذه قضية عظيمة الأهمية، ومن أجلها يدور الصراع حقاً، فالكفرة والمنافقون أولياؤهم لا يريدون أن يكون الكتاب الذي أنزله الله هو الذي يفصل بين الناس ويحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، وإنما يريدون أن يكون حكم الجاهلية وآراء الرجال وما اشتهوه من الباطل والأهواء السخيفة المنكرة هي الحكم الذي يتحاكمون إليه، فالله عز وجل أنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزل الله الكتاب والعدل الذي يكون عليه بناء الأمور على كتاب الله، فالكتاب معه الميزان، ومعه القياس الصحيح، فكما أن في المحسوسات ميزان فكذلك في الاعتقادات والأعمال والأقوال ميزان، وهذا الميزان توزن به الأشياء بكتاب الله سبحانه وتعالى.إن هذا الصراع الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم وقام به أولياء الله عز وجل عبر العصور إنما كان لأجل أن يكون الكتاب الذي أنزله الله سبحانه وتعالى هو القائم بين الناس، وهو الحكم وهو القسط، وهو العدل الذي يحبه الله، وأن يوزن كل شيء بهذا الكتاب وأن ينظر إلى الحياة الدنيا والآخرة من خلال هذا الكتاب. فكتب الله عز وجل كلها حق؛ أنزلها الله عز وجل متضمنة كلامه، وجعل القرآن مهيمناً عليها وشاهداً لما فيها من الحق ومبيناً ما زاده أهلها فيها من الباطل والتحريف والتبديل الذي صنعوا، وكذلك مبيناً ما نسخ منها مما كان مشروعاً في وقت وزال تشريعه لحكمة الله سبحانه وتعالى في ذلك.وبذلك كان من أعظم ما يتوسل به إلى الله سبحانه وتعالى في مواجهة الأعداء قول: (اللهم منزل الكتاب)، فالله عز وجل الذي أنزل الكتاب هو الذي وعد بأن يعم حكمه الأرض، وأن يظهر الدين الذي أنزله فيه على كل الأديان، كما قال عز وجل: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:32-33].فالنور الذي أنزله الله هو هذا القرآن العظيم، قال عز وجل: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ [المائدة:15]، فهو الذي أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأوحى إليه مثله معه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو السراج المنير، كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45-46]، وإنما كانت الحكمة التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم منبعها من الكتاب، وحقيقتها تفصيل الكتاب وليست خارجة عنه، قال عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي بشيء من عنده، وإنما هو يبين حقيقة الكتاب، ويبين تطبيقه العملي، وكان الكفار لا يقبلون ذلك، وكانوا يعارضونه ويريدون أن يطفئوا هذا النور، وأنى لهم أن يطفئوا نور الله سبحانه وتعالى؟! وهكذا ترى أمة الإسلام عبر العصور، فقد حاول أعداؤها أن يصرفوها عن القرآن العظيم، وأن يبعدوا كتاب الله عز وجل عن حياة الناس، ومع ذلك فشلت المحاولات، وإن هلك في أثناء ذلك من هلك حين قبل الباطل وابتعد عن الكتاب، سواء ابتعد عنه بالكلية، كمن كفر به وحاربه، أو لم يبتعد عنه بالكلية، ولقد مرت ببعض بلاد المسلمين أوقات كان وجود القرآن فيها جريمة عظمى، وكان وجود القرآن لدى إنسان في بيته معناه أن يسجن حتى يموت أو ينفى في مجاهل البلاد التي يهلك فيها من الصحاري والجليد وغير ذلك، ولقد مضت مدة من الزمن كان الناس لا يتعلمون فيها القرآن إلا سراً، وأدرك من ذلك بعض من يعيش اليوم، فقد كان القرآن في كثير من البلاد تهمة عقوبتها الإعدام، ومع ذلك إذا بهؤلاء يذهب الله عز وجل بهم ويدمرهم تدميراً ويبقى القرآن العظيم.وهكذا لو تأملت تاريخ المسلمين في كثير من محنهم لعلمت كيف كانت المحاولات بصرف الناس عن كتاب الله، ولإطفاء هذا النور الذي لا يطفأ بإذن الله عز وجل، ولذا كان تمسك المسلمين بالكتاب حفظاً وتلاوة واتباعاً وعملاً ودعوة هو سبب نصرهم، فبقدر تمسكهم بهذا الكتاب بقدر ما ينزل الله عليهم من النصر، وبقدر ما ينزل على أعدائهم من العذاب، ويلقي في قلوبهم الرعب والزلزلة ويهزمهم سبحانه وتعالى، فحاجتنا هي أن نتمسك بالكتاب الذي أنزله الله، وحاجتنا هي أن نتعلم آياته آية آية، ونمرها على القلوب ونتدبر ما فيها ونعمل بها، ونكثر استعمالها، لا أننا نغيب القرآن عن حياة الناس أو عن الدعوة أو عن البيان.فمثلاً: أنت إذا قلت للناس: هذا الشيء حرام، قالوا: ليس بحرام، وإذا قلت لهم: هذا الشيء منهي عنه، وهذا الأمر لا يجوز، قالوا: بل يجوز، وليس بمنهي عنه، أما لو كنت على بينة من أمر الله عز وجل، وقلت لهم: قال الله كذا، فسوف تجد أمراً آخر، وسوف تجد تغيراً في استقبال الناس لهذه الدعوة، ولذا كان من سمات منهج السلف رضوان الله تبارك وتعالى عليهم كثرة الاستدلال بالآيات القرآنية كما أنهم كانوا يكثرون الاستدلال بالأحاديث النبوية، وهي ليست بخارجة عن كتاب الله، بل هي مثله في التحليل والتحريم، وكذا بعده في البيان والإرشاد، وهي تتضمن معنى النور الذي فيه، وتبينه وتوضحه للناس، كما قال عز وجل: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44].فنحن نحتاج إلى أن نتلو آيات الله في كل المواطن، وبدلاً من أن تقول رأياً أو تعضده بقول فلان أو تقول: العالم الفلاني أفتى بكذا، هذا الأمر ليس بالقوي في النفوس، وسوف يُعارض بأيسر طريق، أما كتاب الله فهو نور، فقل للناس: قال الله كذا، وقل لهم: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا. فالله عز وجل هو الذي أنزل الكتاب والنبي صلى الله عليه وسلم يبين الذكر للناس ويبين ما نزل إليهم من هذا الكتاب، فإذا استعملت ذلك كان ذلك نوراً يهدي الله عز وجل به من شاء ويعرض عنه من شاء فيستحق العذاب؛ فإن الله عز وجل جعل عقاب من كذب بهذا القرآن عليه أن يتولى تدميره وإبطاله، قال عز وجل: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ [القلم:44].فالله عز وجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكل إليه أمر المكذبين بالقرآن العظيم، فالله عز وجل يستدرجهم من حيث لا يعلمون، فهم ينكرون ويخططون ويكيدون، وهم يذهبون إلى حتفهم وهلاكهم وتدميرهم كلما عارضوا القرآن، وكلما كذبوا بالقرآن، وكلما حاولوا صرف الناس عن القرآن. والله سبحانه وتعالى جعل هذا الكتاب فرقاناً فقال: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، فهو فرقان يفرق بين الحق والباطل، ويفرق بين أهل الإيمان المتبعين له وبين أهل الكفر المعرضين المكذبين بهذا القرآن العظيم.وقال عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [السجدة:22]، فالله هو الذي ينتقم ممن أعرض عن القرآن، فلا تجعل دعوتك -أيها المسلم- أو سلوكك مبنياً على قال فلان وقال فلان، بل اجعله مبنياً على القرآن الذي أنزله الله عز وجل؛ فالله عز وجل منزل الكتاب، وما أعظم أن يتوسل إلى الله بهذا الاسم من أسمائه الحسنى (منزل الكتاب) في مقام المواجهة مع أعداء الكتاب، ومع الذين يرفضون حكم القرآن ولا يريدون أن يكون القرآن هو الميزان الذي توزن به الحياة، وإنما يريدون أن تهدر حياة الناس واعتقاداتهم وأعمالهم وأقوالهم.فإذا تمسكنا بالقرآن ودعونا الله منزل الكتاب سبحانه وتعالى فلنكن مستحضرين هذه المعاني، وأننا إنما نخالفهم لأجل أن يكون الكتاب الذي أنزله الله هو الحكم بين الناس، وأنهم يفعلون بالمسلمين ما يفعلون ويحاربون منهم من يحاربون، وينتهكون من حرماتهم ما ينتهكون، ويقتلون من يقتلون؛ لأجل الكتاب، وهذا من أعظم ما يستنزل به النصر، والله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
التوسل إلى الله عز وجل بإجرائه السحاب
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد:
فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، سريع الحساب اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم).
فقوله: (مجري السحاب) فيه توسل إلى الله عز وجل بشئون فعله عز وجل وتدبيره لأمر السماوات، فالله عز وجل يجري السحاب الذي لا يستطيع أحد من الناس أن يدعي أنه هو الذي يصرفه في الناس أو بينهم، ويصرف ما يحتويه من أرزاق للعباد، أو ما يحتويه من عقوبات؛ فهذا السحاب قد يكون فيه العذاب الأليم، كما قال قوم عاد عندما رأوا السحاب: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الأحقاف:24]، قال عز وجل: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [الأحقاف:24-25].
فتأمل هذا السحاب الذي لا يكاد ينظر إليه أحد في زحمة الحياة، وتأمل كيف يُصرف وُيجرى، وكيف تتغير أشكاله! وكيف يُساق من أبعد البلاد في لحظات بأمر الله عز وجل، وتتغير أحوال الناس على ظهر الأرض بناءً عليه، وكيف أنه لو أنزل الله عز وجل جبال البرد من السماء الذي تتضمنها السحاب على الناس لهلكوا جميعاً! فكيف ستفعل فيهم العواصف الترابية والعواصف الثلجية! وكيف ستفعل بهم الأعاصير، فلو أذن الله عز وجل لها أن تخرج هل يملك أحد دفعها من البشر على ضعفهم وعجزهم وعلى تكبرهم وعنادهم؟
فهذه ريح عاد قال الله سبحانه وتعالى عنها: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا [فصلت:16]، وقال: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:6-8].
ولو حرم الله عز وجل العباد من الرزق الذي ينزله سبحانه وتعالى من السحاب فكيف ستجري الأنهار؟! وكيف ستمتلئ العيون؟! وكيف ستزرع الحقول وتسقى الأشجار؟!
سوف تمتنع حياة البشر، فالله عز وجل له ملك السماوات والأرض، وما أجمل وما أحسن وما أعظم أن تتوسل إلى الله بشهود ملكه للسماوات التي لا ينازعه فيها أحد، ولكن أكثر الناس في غفلة؛ وذلك أنهم ينشغلون بالملك البائد في الأرض ويظنون أن الملك للناس، ولو تأملوا لعلموا أن السحاب يجري كل يوم وكل لحظة بأمر الله، فلا يستطيع أحد أن يجريه، ولا أن يصرفه في الاتجاهات المختلفة، ولا أن يحمله بشيء يريده أو يمنعه من شيء لا يريده، ولو تأملوا ذلك لأيقنوا أن البشر لا يملكون شيئاً ولا يقدرون على شيء، وأن الله سبحانه هو رب السماوات والأرض، وأنه لو شاء سبحانه أن يسقط السماء على الأرض لأهلك الناس، ولو شاء أن يقذفهم بكسف من السماء لدمرهم تدميراً، كما قال عز وجل عن قوم شعيب: فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الشعراء:189].
فالله عز وجل على كل شيء قدير، وهو مجري السحاب سبحانه وتعالى الذي يدبر الأمر كله، وهو الذي إليه يرجع الأمر كله، وعلى المؤمن أن يتوكل عليه.
واستحضار معنى الربوبية في إجراء السحاب يجعل العبد يستحضر معاني التوحيد مجتمعة في الألوهية أولاً، وفي إنزال الكتاب منه سبحانه وتعالى ثانياً، وفي ربوبيته سبحانه التي يدل عليها إجراؤه للسحاب سبحانه وتعالى؛ وهذا يجعل المؤمن يتعلق بالله سبحانه وتعالى.
التوسل إلى الله عز وجل بهزيمته للأحزاب
وقوله: (هازم الأحزاب)، هذا توسل ثالث أو رابع إذا عددنا لفظ (اللهم) توسلاً إلى الله عز وجل بألوهيته، ففيه التوسل إلى الله بأنه هازم الأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه عز وجل قد هزم كل الأحزاب الذين تحزبوا على الأنبياء ليأخذوا الأنبياء، وليوقفوا دعوتهم، كما قال سبحانه وتعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ [غافر:5]. فالجزاء من جنس العمل، وذلك أنهم أرادوا أخذ الرسل، وإيقاف دعوتهم وإهلاكهم، وأرادوا أن يضمحل هذا الدين، واستعملوا في ذلك وسائل البطش ووسائل الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق، ووسائل الإعلام الفاسد بالإضافة إلى القوة والبأس، فاستعملوا ذلك حتى أوشكوا أن يأخذوا الرسل، وأن يقتلوهم، قال عز وجل: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30].ويكادون يصلون إلى غايتهم التي يظنون أنهم واصلون إليها، وفي اللحظة الأخيرة تتغير الأمور، ويظل الأمر يسير رويداً رويداً كما سار فرعون رويداً رويداً خلف موسى ومن معه، إلى أن تراءى الجمعان، وكما دبر إبليس مع المشركين خطة قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيل الهجرة مباشرة، وأحاطوا بالبيت فعلاً، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يتلو قول الله عز وجل: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس:9]، فكما لم تبصر قلوبهم الحق الذي بعث به، كذلك لم تبصر أبصارهم جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خارج وهم يستعدون للفتك به، قال عز وجل: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ [غافر:5].فالله عز وجل يأخذ من أراد أخذ ما جاء به الأنبياء؛ فإنه سبحانه وتعالى هازم الأحزاب. ولنتأمل هذه الغزوة العظيمة التي جعل الله فيها من آياته ما يتوسل به المؤمنون في مواطن مختلفة من دعائهم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من استعمال ذكر هزيمة الأحزاب، ويتوسل إلى الله بذلك، كما كان يقول في هذا الدعاء: (هازم الأحزاب)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه على الصفا والمروة: (لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، فهو سبحانه وتعالى لم يهزمهم من خلال المؤمنين، وإنما هزمهم وحده بآياته سبحانه وتعالى.فكل من تحزب على الأنبياء وعلى دعوة الحق فهو من الأحزاب، كما قال سبحانه وتعالى عن قوم ثمود وفرعون وعاد ولوط: أُوْلَئِكَ الأَحْزَابُ * إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ [ص:13-14]، فالله سبحانه وتعالى جعل من تحزبوا ضد الإسلام واجتمعوا عليه رغم تفرقهم في غير ذلك مهزومين بقدرته عز وجل، فغزوة الأحزاب غزوة مليئة بآيات الله سبحانه، قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا * لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا [الأحزاب:9-27].فاللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، سريع الحساب، اهزم أعداء الإسلام وزلزلهم وانصرنا عليهم. اللهم انصرنا على القوم المفسدين، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين. ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين. اللهم نج المستضعفين من المسلمين في كل مكان. اللهم فرج كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، وارفع الظلم عن المظلومين. اللهم انصر الدعاة إليك والمجاهدين في سبيلك في كل مكان. اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وانصرنا على عدوك وعدونا. اللهم اهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، واجعلنا هداة مهتدين. ربنا أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغوا علينا. اللهم اجعلنا لك ذكارين، لك شكارين، لك مطواعين، لك أوابين، لك مخبتين، إليك أواهين، وتقبل توبتنا، واغسل خبثنا، وثبت حجتنا، وأجب دعوتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، وسل سخائم صدورنا. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
التفريغ النصي
خطبة الدعاء سلاح المؤمن
للشيخ ياسر برهامي